Saturday 29 November 2014

الجهل المركب

الجهل المركب
عندما تنظر حاليًا للوطن العربي أو الشرق الأوسط بشكل عام ، تغمرك تلكَ السحابة من الجهل العام بمنطلق العلوم و من إختراعات تكنولجية كانت أو فكرية تشعر وكأن المجتمع باتَ مغمورًا بكتلة من الجهل غريبة ، و أقرب إلى كل الجوانب منها إلى جوانب العلوم ، ثقافية ، فكرية، فلسفية، منطقية، عقلية ، و هلمَ جرَ ، تشعر و كأن أقصى ما نمتلك هي سطحيات ، معلومات قد تكون سطحية أكل الدهر عليها و شرب و نقاشات عقيمة لا طائل منها طموحات مقتولة و أفكار يتم إرهابها خوفًا منها ، عقليات تموت في شيء أشبه بأن يكون مستنقع ، بالرغم من أنهُ تاريخيًا كان أحد أهم أماكن العلوم في العالمِ أجمع و قد يتفق البعض أنهُ مصدر العلوم بأكملها طبيعية كانت ، أو فكرية و حتى فلسفية و دينية.
في الحقيقة حكاية الجهل المركب لم تأتي من فراغ و كان لها عدة عوامل ساهمة في دحض هذا المجتمعات و قتل روح العقل فيها ، 
أولها : 

رجال الدين أو علماء الأمة أو صمام أمان المجتمعات ، أيًا كان ما يردون تسمية أنفسهم به ، التاريخ بين سنة 800 ميلادي إلى 1100 ميلادي تقريبًا أكثر من 400 سنة كانت مليئة بالإختراعات العربية أو الإسلامية و العلوم الفلسفية العميقة و الترجمات للكتب الإغريقية ، كانت المجتمعات العربية تعيش بيئة علمية عميقة ، بيئة خصبة تقدر العلم و في بعض الروايات كانت قيمة بعض الكتب وزنُها ذهبًا ، كان يجتمع المسلم و المسيحي و اليهودي و حتى الملحد تحت طاولة واحدة يشوبها الإحترام و التقدير و أساليب النقاش العصري ، بيئة تشع بالعلم و العبقرية ، إذن كيف كان رجال الدين أحد أسباب حكاية الجهل المركب في المجتمعات العربية ، 
تسائل جميل ، بعد سنة 1100 ميلادي تقريبًا ولد الشيخ الإسلامي أبي حامد الغزالي ، أو شيخ الإسلام كما يلقب و البعض يلقبه بالفيلسوف و الداهية و العبقىري ، هذا الشيخ الفضيل بالطبع جاء بحكاية أن علم الرياضيات من عمل الشيطان و حرم علم الفلسفة على عامة الناس و بدأ بإصدار الفتاوى العبقرية الفلسفية ذات الفكر الرونقي الجميل فكر إسلامي نقي يا سبحان الله !! 
الشخص الذي يلقبه البعض بأحد فطاحلة العلم و العلوم سابقًا قد حرم علم الرياضيات و غيرها من العلوم ، بئس الألقاب و بئس العقليات تلك التي تقول مثل هذه الكلام ، هذه عقليات بالفعل جاهلة ، عقليات تافهه سخيفة لا تعي ما تقول ، تقرأ القران شكلًا لا معنى ، أولم يقرؤ قوله تعالى ( و قُل ربِ زدني علما) و هل الزيادة في طلب العلم حصرية على العلوم الدينية أم أن العلوم الدينية تحرم العلوم الطبيعية التي من خلالها نفهم الكون و الوجود و نكون أقرب لله سبحانهُ و تعالى ، من هنا بدأ تهكم رجال الدين على العلم وبدأ تسلطهم على العلماء الحقيقين بدأو يلقبونَ أنفسهم علماء جهلًا و غباءً ، من هنا بدأ تقديس العقل العربي لرجل الدين ، 
1_ رجل الدين يتحدث بإسم الله لذلك له تأثير كبير على العقلية الدينية خصوصًا أولئك الجاهلين بأمور الدين.
2- رجل الدين يصور لك أنك مذنب و عاصي و فاسق بإبتعادك عن الله سبحانه و تعالى بعدم تنفيذك لأوامره.
3- رجل الدين يحدثك بالقران الكريم و يحرف معاني القران فقط لينال ماينال منك
4-رجل الدين يضع نفسه مكان الأنبياء ويعطيك وهم المعجزات الخيالية حتى تؤمن به.
من هكذا أمور بدأ تأثير رجال الدين على المجتمع و تم إغتيال روح العقل بسببهم ، لا تنسى أن دائمًا و أبدًا ما يشعرك رجل الدين بأنه المكان المناسب لهداية أبنائك و تثقيفهم العلوم هو المسجد بحيث ينسيك وجود المدرسة و الأماكن العلمية الأخر و بنفس الوقت يحكم سيطرته على عقل طفلك و يضمن وجود جيل جديد خاضع للسيطرة الدينية ، كل رجل دين بمذهبه أو طائفته يظن أنه على حق و البقية على باطل مهما إدعى أنهُ حملٌ وديع فهو ليس كذلك هو كما يقول المثل العامي ( يتمسكن حتى يتمكن ) تحريم و تحليل الأمور خاضع عنده للأوضاع السياسية للكمية المادية التي يتلقها و مدى فائدته منها ، كلنا نعرف الحكمة القائلة ( الناس أعداء ما جهلوا) رجال الدين هم أول هؤلاء الناس و لنا في تحريمهم للتلفاز و المذياع و غيرها من الإختراعات العظيمة خير شاهد ناهيك عن كون وظيفة رجل الدين جدًا سهله لا تتطلب أي مجهود ، فقط ألبس اللبس المطلوب و أسدل اللحية ، و من بعدها تأتيك الأموال من حيث لا تُحتسب ، 
هذا موجز جدًا بسيط لتأثير رجال الدين على العقلية العربية و الإسلامية و هدم سقف طموحات العقلية العربية.
العامل الثاني و هو الإنغلاق العقلي : 
الإنغلاق العقلي حاليًا في العقل العربي واضح فهو يحب أن تكون المعلومة واحدة لا تتطور حتى مع مرور الزمن ، عقلية إتكالية بعض الشيء ، مقيدة لا تمتلك مطلق الحرية في التفكير لذلك تمارس مبادئ الإنغلاق العقلي و الفكري ، معظم الحوارات العربية حاليًا التي تستمع إليها في التلفاز أو المذياع أو أيًا كان تنتهي بالشجار و الأول يضرب الثاني و هذا يقول الحق معي و الاخر كذلك و المصيبة الأكبر إن كانوا متعلمين كأساتذة في الجامعات أو أطباء أو غيرهم تجدهم يتعاركون على مسائل سخيفه ، و كأن كلا الشخصين يرغب بالظهور بمظهر الفهيم المتعلم و الأخر هو الغبي لذلك لن أتقبل فكرك و سوف أحاول أن أحطمك حتى أثبت للأخرين أنني موجود ، هذا الإنغلاق العقلي يؤدي إلى صراع إجتماعي بين أفراد المجتمع نفسه كل شخص يحاول أن يثبت نفسه على حساب الأخر كل شخص يحاول أن يثبت كمية الغباء المركب المتواجد في عقله ، و ننتهي عند اللاشيء حيث لا وجود للعلم الحقيقي لا وجود للفكر لا وجود لفلسفات جديدة ، مجرد أفكار قديمة أكل الدهر عليها و شرب نتناقش بها .

العامل الثالث و هو إزدواج الشخصية : 
من الواضح أن العقل العربي يعاني من عقلية مزدوجة غريبة عجيبة ، عقلية قد حيرة العلماء في إزدواجها ، فهو ينادي بالحقوق في بعض الأحيان و هو يمتلك خادمة في منزله لا يحسن معاملتها أو ينادي بحرية المرأة فوق كل شيء و هو لا يطيق أن يسمع كلمة من زوجته ، إزدواج الشخصية يتطور ليصل إلى حد النفاق حيث أمام الأخرين هو الشخص التقي الورع ، حتى أنه يقوم بنصح الأخرين و يأمرهم بتجنب أي شيء قد يخسرهم حياتهم الأخروية و هو من خلف الستار يمارس هذه الأشياء ، أتذكر في أحد الأيام جائني أحد الأشخاص يحدثني عن بعض الأحكام الدينية وكيف لي أن أختلف معه بها و هيَ من عند الله سبحانه و تعالى كحكم سماع الغناء أو ممارسة الفنون و غيرها و كان الرجل في كل شيء يستدل بقول الشيخ الفلاني و الحديث الفلاني و يحذرني من عذاب القبر و حر نارِ جهنم ، الغريب بعد مرور بعض الوقت و بدأنا بالحديث بأمور أخرى و كان يحدثني عن مغامرته الجنسية مع فتيات الليل في أحد رحلاته إلى أحد المدن و كان يقول لي إفعل أي شيء لكن لا تترك الصلاة ، و قلت بقلبي لذلك نحن نعيش مع مسوخ تُصلي ، أشباه بشر، من هنا يتبين مدى إزداوج العقلية العربية و مدى غرابتها.

ما يدعوا لإنشراح الصدر أنه في النهاية ترى بوادر و كأنها بودار نهاية هذا الجهل المركب ، شباب يحملون فكر واعي يحاولون بشتى الطرق أن يرتقوا بهذا المجتمع ، أتمنى أن يأتي اليوم الذي تعود فيه هذه الأمة كما كانت في السابق تصارع الأمم علميًا و فكريًا ، و تكون في المقدمة و تذكر أن الدين دائمًا و أبدًا لا يتعارض مع العلم مهما حاول الأخرين أن يقنعوك بذلك و الفضول هوَ أساس المعرفة.

كانت هذه بعض العوامل التي أعتقد أنها ساهمة بشكل أو بأخر بتكوين ما يسمى الجهل المركب للعقلية العربية و كثير من العوامل لم أتطرق لها لكون الحديث فيها يطول ، و لكن كانت هذه العوامل هي أبرزها بالنسبة لي .


هاشم صالح...